1.  صخرة سيزف
    نوارة نجم


    تقول الأسطورة الإغريقية إن سيزيف هو أخبث وأمكر مَن على الأرض، كان مخادعا وجشعا، خرق أعراف الشرف والكرامة وقِرى الضيف والأُخوّة، حيث اغتصب عرش أخيه، وقتل الضيوف، وأفشى سر زيوس، وخاض فى عرض ابنة أخيه، وبلغ من فرط خبثه أن احتال على إله الموت، فكانت عقوبته أن يحمل صخرة هائلة على ظهره إلى أعلى الجبل، وما إن يصل إلى قمته حتى تقع الصخرة فيعود ليحملها من السفح إلى القمة، وهكذا إلى أبد الآبدين.
    راجل رمة سيزيف ده… يستاهل.
    ■ ■ ■
    يا دكتور مرسى.. وأخاطبك بلقب دكتور، لأنه المعلم الأرفع شأنا على الإطلاق بين أهل الأرض قاطبة، وهو من يعيش فى وجدان المئات وربما الآلاف ممن علّمهم حتى يفارقوا الحياة، وقد يحاسبهم الله بالإثابة أو العقاب عن أقوال وأفعال علمها إياهم ذلك المعلم. أما رئيس الجمهورية فهو حتة رئيس جمهورية لا طلع ولا نزل، سيذهب إما بدعاء الناس له أو عليه، وليس بضارِّهم شيئا، وإنما يضر وينفع نفسه، فإن أراد أن ينفع نفسه عليه أن يسمع من «بيطرقع له» لا من «بيجندل له»، وعليه أن لا «يزاولنا» عشان احنا فينا اللى مكفينا… هارش اللغة ولّا فصلت منى؟
    ماتزاولناش يا دكتور… أى ماتشتغلناش… أى ما تثبتناش، إحنا مش الست كوريا. هناك من دفع حياته، أو عينه، أو أطرافه، أو حريته، وجنيت أنت ثمن نضالهم بخروجك من السجن ودخولك قصر الرئاسة، وقد أوضح الدكتور مرسى عدة مرات أنه يذكرهم وأنهم فى قلبه، تماما كما وقف مجلس الشعب فى جلسته الأولى دقيقة حدادا على أرواح الشهداء.
    هناك ما يقرب من ثمانية ملايين مواطن استجابوا لحملة دشنها بعض النشطاء السياسيين الذين لديهم من النبل ما يجعلهم يقولون: اعصر على نفسك لمونة وانتخب مرسى. وكان هدفهم التصويت ضد شفيق، وهم يضعون أيديهم على قلوبهم، خوفا من أن يؤدى الرئيس المنتخب ذات الأداء المتدنى الذى أداه البرلمان. وبينما قاطعت أنا لأننى لا أقبل أن أجبر على هذا الاختيار، فكلنا لا ينام ليله، سواء كان عاصر الليمونة الذى يحمل همَّ أن يُلام إذا ما خذله اختياره، أو من لم يعصر الليمونة ويحمل همَّ أن يفوز شفيق بالانتخابات ويعمل قتلا وسجنا وطغيانا.
    هناك أيضا ما يزيد على 12 مليون متربص بالرئيس المنتخب، منهم ما يزيد على 7 ملايين لم يكونوا ليصوتوا لشفيق لولا أن منافسه من جماعة الإخوان المسلمين، ولم يكونوا ليتخذوا هذا الموقف الحاد من الجماعة لولا الأداء السيريالى فى البرلمان المنحل، وبعضهم كان يرى أن التصويت لشفيق يعنى مواجهة المجلس العسكرى فقط، وهو ما كوّنا فيه خبرة لا بأس بها فى العام المنصرم، أما التصويت لمرسى فيعنى مواجهة المجلس العسكرى ومعه جماعة الإخوان المسلمين، بقول آخر: نجاح مرسى يعنى أن العسكر والإخوان حيعملوا علينا حفلة، أما نجاح شفيق فيعنى بقاء الوضع على ما هو عليه، وكان أغرب نقاش ما بين المجموعات التى قررت دعم مرسى أو شفيق أو المقاطعة أو الإبطال، حيث كان السؤال المحورى: مين فيهم أسهل فى إسقاطه؟ فذهب البعض إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تحمل عناصر تدميرها بداخلها، وقد رأينا بأنفسنا أنهم خسروا ثلثى مؤيديهم فى ظرف ثلاثة أشهر كان عمر البرلمان، ورأى البعض أن التخلص من العسكر المتمثل فى شفيق سيكون أسهل، بما أننا بدأنا فى تكسير صخرته فعلينا إتمام العملية، ورأى مقاطعون ومبطلون أن الأمر لن يختلف كثيرا: الثورة مستمرة، وأيتها رئيس حييجى حنعمل معاه الصح، عسكر بقى إخوان جن أزرق، إحنا مابنتهددش لا مؤاغزة.
    ليس هناك من نثق به حتى الآن، وإنما نرغب فى انتخاب من إذا ما اتضح لنا سوء طويته أسقطناه بسهولة ودون إراقة دماء.
    لو أن جماعة الإخوان المسلمين تتمنى لمرسى النجاح فى تسكين مخاوف ما يقرب من 7 ملايين متربص انتخبوا أحمد شفيق خوفا من سيطرة الإخوان على البلاد، وتهدئة ما يقرب من 8 ملايين قلق انتخبوه رغبة فى إسقاط شفيق، والتصدى لخمسة ملايين فلولى لهم مصالح مع النظام السابق، فعليها أن تعتق الرجل لوجه الله وتحل عن سماه خاااااااااالص.
    ما أشهده الآن من سلوكيات الجماعة، هو نفس ما شهدناه من سلوكياتهم عقب فوزهم بالأغلبية البرلمانية، هو ذات السلوك الاستعلائى، إلا أنهم غيَّروا الكول تون من «موتوا بغيظكم» إلى «احترموا الرئيس، ده لو مبارك كنتو عملتو كده؟ أنا مش إخوان على فكرة»! وربنا حتتلفوا أمل الراجل.
    ويبدو أننا فى حاجة إلى سلسلة من التشطيف حتى يعتدل الميزان، أو نلقى الله وقد برأنا ذمتنا بالنصح.
    سنبدأ حملة التشطيف بالأوْلى فالأوْلى حتى ننتهى تماما من تكرار الحديث المكرور الذى كررناه حتى كركرت صدورنا.
    أولا: جماعة الإخوان المسلمين:
    .. ولقد تفهمت تماما حالة الانتشاء الهستيرية التى أصابت الجماعة، حيث تمثل أعضاؤها دور سعاد حسنى، وهاتك يا رقص: رُدّى يا بنت أخت البيه، الزينة مرفوعة ليه ردى.. كاد عزالى، البيه الخالى، مقامك عالى… يا خالى البييييييه.
    وبدأت الشكوى من أعضاء الجماعة منذ اليوم الأول لتنصيب الدكتور محمد مرسى رئيسا: الحقوا بقى الإخوان، عاملين زى الهابلة اللى مسّكوها طبلة، وشايلين الحرس الجمهورى وعمالين يقولوا الجيش والشعب إيد واحدة، ويقولوا لهم خلّوا بالكو من الرئيس، كأنه أول يوم يخش الحضانة وبيوصّوا عليه المدرسة!
    صبرنا وصبرنا، على أمل أن يذهب عنهم عفريت «خالى البيه»، إلا أن المرض تفاقم، وتحول من رقصة المجنونة إلى تعليمات حزبية ينفذها أعضاء الجماعة. اسمع يا سيدى:
    طبعا كلنا يذكر الأيام الكالحة التى وضع فيها المرشد سى دى: موتوا بغيظكم، وأوصل الكابل بأعضاء الجماعة، فتحولت البلاد إلى استريو: موتوا بغيظكم. أيها السادة، بعد النجاح منقطع الجماهير لألبون: موتوا بغيظكم، الذى حير العالم وأفقد الإخوان أكثر من ثلثى مؤيديهم، الآن بالأسواق، وبجهاز كل عضو من أعضاء الجماعة، قنبلة الموسم، ألبون: احترموا الرئيس، ده لو مبارك كنتو عملتو فيه كده؟ أنا مش إخوان على فكرة.
    كنت أقف مع أهالى المعتقلين وأصدقائهم، وأمهات ضباط 8 أبريل، الذين أكرر لهم ولذويهم الاعتذار، وأؤكد لهم أننى لا أنام ليلى، لأننى قضيت شهورا أظن فيهم أنهم عملاء للمجلس العسكرى، ولو أنهم لم يجدوا فى أنفسهم الطاقة لمسامحتى فإننى أتفهم ذلك، وأسعى بكل جهدى لتبنى قضيتهم، مع ضباط 27 مايو، والضابط أحمد شومان. المشهد مؤلم: ندور حول قصر الرئاسة وننادى: يا مرسييييى.. اطلع لنا يا مرسيييييى.. ده أنت حبسجى زيّنا ومن مثيرى الشغب، أمال إحنا جبناك ليه؟ نسأل الحرس: هوّ جوّه؟ فيجيبون بتشفٍّ بادٍ: أيوه جوه. ابتسمت امرأة ابتسامة مرة وهى تقول: كل دول ماتوا، وعصرنا اللمونة، عشان فى الآخر نقف نفس وقفتنا دى على باب رئيس الجمهورية اللى احنا فاتحين له باب السجن ومدخّلينه قصر الرئاسة ومايعبرناش؟ كان المشهد ككل المشاهد المصرية، لا يخلو من كوميديا جارحة تدمى القلب. نزلت فيالق الإخوان قرب انتهاء الوقفة، تزاول مهنتها وتكليفها الذى اعتدنا عليه منذ اعتصام يوليو، حيث يدخل العنصر الإخوانى وسط مجموعة ويفتح نقاشا، ويكرر ما هو مسجل على صفحة عقله دون التفكير فى ما يأتيه من واردات على ألسنة الوقوف، اقتربت منى امرأة وابنها مرددين ما كُلِّفا بترديده، وأنا بقى اللى بيغنى ويرد على نفسه ده بيعصبنى، أنا مش أسماء محفوظ عشان أطوّل بالى على الناس، خُلقى ضيق جداااااااا، بعد مناقشة مع حارة سد، قلت للشاب الذى قال لى إن مرسى «فى مقام والدنا»: باكلمك عن مساجين.. إلهى تترمى رميتهم، ثم كررت والدته: لو كان ده مبارك كنتو عملتو كده؟ لو كان ده مبارك كنتو عملتو كده؟ لو كان ده مبارك كنتو عملتو كده؟ الظاهر مش جاى لها تكليف بأى جمل تانية، فقلت لها: ربنا يوريهولك فى عيالك…. لا ما أنا غلّاوية قوى على فكرة.
    السادة أعضاء هيئة الرسائل المسجلة بجماعة الإخوان المسلمين، لو أن الشفيق أحمد فريق دفع لكم راتبا شهريا لإفشال مرسى وإثارة الرأى العام ضده ما أديتم مهمتكم بهذه المهارة. البُعدا لا عقل وسكتنا، كمان مافيش دم؟ الناس مكلومة أمام القصر الجمهورى والسيد الرئيس بتاع: انتو مابتجوش ليه؟ ابقوا تعالوا، أنا بابقى هناك. تجاهلهم تماما، لو أنّ لكم من الإنسانية والمروءة النزر اليسير (وهى النزر بالزاى لا بالذال) لما تجرأتم على اقتحام أحزانهم بهذه السفاهات، لو أن لكم بعضا من عقل لما دشنتم حملة «احترموا الرئيس» لأن ذلك يعنى تدشين حملات عدة بعنوان «** أم الرئيس»، ذلك لأن لكل فعل رد فعل، والبنى آدمين مابيحبوش حد يربيهم. لو أن لكم بعضا من حياء لتواريتم عن الصورة تماما حتى ينسى الناس أنكم أعنتم الظالم القاتل بألسنتكم طوال عام ونصف. لو أن لكم بعضا من حنكة مرسى ذاته، لأفسحتم له الفرصة لاحتواء شارع غاضب مصاب فى أعز شبابه بين قتيل وجريح وأسير.
    لكن نقول إيه؟ اللى عنده دم أحسن من اللى عنده مرشد